حياة الشاعر أبو فراس الحمدانــي..
أبو فراس الحمداني - 93-968
أبو فراس الحمداني (932-968) : هو الحارث بن سعيد الحمداني. شاعر وفارس وأمير عربي. ولد في الموصل (العراق) ومات قرب حمص (سوريا). قتل أبوه 935 فرباه ابن عمه وزوج أخته، سيف الدولة الحمداني، أمير حلب. نشأ على الفروسية والأدب، وتنقل في مدن الجزيرة والشام. قلده سيف الدولة إمارة منبج وحران وأعمالهما، وكان حينئذ في السادسة عشرة من عمره. اصطحبه سيف الدولة في غزواته ضد البيزنطيين، فوقع في الأسر عام 962. أمضى في الأسر أربع سنوات كتب خلالها أشهر قصائده التي عرفت "الروميات". ولاه سيف الدولة على حمص، ولما مات سيف الدولة وقعت الحرب بين ابنه أبي المعالي وأبي فراس، فقتل قرب حمص. له ديوان من الشعر الجيد، العذب الأنغام، المألوف الألفاظ، الذي يسجل تاريخ حياته ويصور فروسيته ويفخر بمآثره. تنافس مع المتنبي في مدح سيف الدولة خلال إقامته في بلاطه في حلب.
أبو فراس الحمداني) شاعراً وجدانياً من الطراز الاول. وللمقارنة بين الشاعرين العملاقين (أبو الطيب المتنبي) و(ابوبكر محمد بن عمار) وكلاهما كان مغامراً من الطراز الأول وكلاهما يطمع في امارة او ولاية وكلاهما كانا ذاتيان في شعرهما وكلاهما فقد ذاته قتيلاً فابن عمار فقد راسه بيد زعيمه وراعيه ملك اشبيليه المعتمد بن عباد وفقد المتنبي رأسه على يد فاتك الاسدي بثار على حقد دفين وهجاء مفجع؟ وكلاهما كان معتداً بنفسه اشد الاعتداد مما دفع بالناقد الاسباني الاستاذ الدكتور ( اميليو غارسيا غوميز) إلى القول عن ابي الطيب المتنبي حيث يقول: ( .. من الصعب ان نجد في الأدب العالمي كله شاعراً اشد اعتزازاً بفنه من المتنبي وحتى لو نحينا الفخر جانباً وهو عادة عربية تنحدر من اصول بدوية وقد لا يستسيغها ذوقنا الغربي فسوف نلتقي بشاعر الكوفة على الدوام محلقاً في السماء ملتهب الكبرياء نبوي الفطرة احياناً مما يبرر اطلاق اسم ( المتنبي) عليه.. لقد تنبأ ابو الطيب بالامتداد الجغرافي غير المحدود لشهرته، انها ستضرب في الخافقين: وتعللني فيك القوفي وهمتي كأني بمدح قبل مدحك مذنب ولكنه طال الطريق ولم ازل افتش عن هذا الكلام وينهب فشرَّق حتى ليس للشرق شرق وغرَّب حتى ليس للغرب مغرب اذا قلته لم يمتنع من وصوله جدار مقلى او خباء مطنب(3) وعلى هذا النحو من الوضوح والاعتداد يصرح بل حتى يقول ويؤكد بأن شعره يجب ان يكسف كل شعر عربي سبقه: لا تجسر الفصحاء تنشدها هنا بيتاً ولكني الهزبر الباسل ما نال اهل الجاهلية كلهم شعري ولا سرحت بسحري بابل رابعاً: ويستقر ( ابو الطيب المتنبي) اخيراً في بلاد سيف الدولة الحمداني صاحب (حلب) فيجد قبله كوكبة عظيمة من الشعراء والكتاب والنقاد والفلاسفة والعلماء كماي جد في زعيم (حلب) وجهاً عربياً ذكياً باسلاً يحارب اعداء الاسلام والعروبة من الصليبيين .. وهنا يجب السير على الطريق بحذر فالاشواك كثيرة فالملك عربي الوجه واليد واللسان وديوانه الشعر يعج بالشعراء، ومنهم قائد حملات سيف الدولة على دولة بيزنطة الشاعر الرومانسي الموهوب ابو فراس الحمداني ولكن المتنبي بحر زاخر من الشعر وذو ملكة وموهبة شعرية تهز بمديحها المشاعر هزاً.. وهذا ما دفع بأبي الطيب المتنبي إلى القول في زهو ظاهر وقد كان ذلك يوم عيد الاضحى من العام 342 هـ الموافق لابريل من العام 954م وبين يدي سيف الدولة الحمداني زعيم العروبة بحلب وذلك عندما اعلن اعتداده بشعره فقال: وما الدهر الا من رواة قلائدي اذا قلت شعراً اصبح الدهر منشداً فسار به من لا يسير مشمراً وغنى به من لا يغني مغرداً اجزني اذا انشدت شعراً فإنما بشعري اتاك المادحون مردداً ودع كل صوت غير صوتي فإنني أنا الصائح المحكي والآخر الصدى وعلى هذا النحو من الاعتداد بالنفس وبالموهبة الشعرية التي منحها الله تعالى له نراه يخاطب القلوب والاسماع وامام سيف الدولة الحمداني ذاته وذلك من خلال هجوم عنيف شنه على خصومه من الشعراء وعلى الدساسين الذين يتحركون في بلاد سيف الدولة يقول: يا أعدل الناس الا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكم اعيذها نظرات منك صادقة ان تحسب الشحم في من شحمه ورم وما انتفاع اخي الدنيا بناظره اذا استوت عنده الانوار والظلم انا الذي نظر الاعمى إلى ادبي واسمعت كلماتي من به صمم انام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم (5) ويعقب الاستاذ الدكتور ( اميليو غارسيا غوميز) المستشرق الاسباني الشهير على أبيات المتنبي السابقة بقوله: (كيف نفسر هذا التعالي المفرط في الكبرياء من شاعر أجير تحكمه قوانين العرض والطلب والبيع والشراء وأشد الوان الخضوع خجلاً..). وردنا على العلامة الناقد والاديب ( غوميز) يسير وبدهي حيث اغفل هذا الناقد الفحل ذات الشاعر اغفالاً تاماً فما كان ابو الطيب شاعر استجداء فقط بل كان شاعر مجد معنوي اشقاه ايما شقاء..!! وذلك واضح من سيرة وحياة شاعر الكوفة ابي الطيب المتنبي.
وتكثر الدسائس والوشايات ضد ابي الطيب في بلاط سيف الدولة ويدخل في مضمار الخصومة اعلام للنقد والادب والشعر وعلى رأسهم دونما ريب الناقد الفيلسوف الكندي الذي اشمأز من تعالي المتنبي ولعل اخطر خصوم ابي الطيب بعد صلفه وكبريائه القائد والشاعر ( ابو فراس الحمداني الذي تملكه الغضب من تدليل سيف الدولة له وكأن المتنبي عرض بأبي فراس مما اغضب عليه زعمي حلب غضباً عظيماً جعله يضربه على وجهه بالدواة مع ان سيف الدولة الحمداني كان يقدر لابي الطيب مدائحه فيه والتي اشتملت على ثلث ديوان ابي الطيب الضخم ولقد احب المتنبي سيف الدولة الحمداني حباً عظيماً بحيث كان يرى فيه المنقذ للعروبة والاسلام ولذا نجد في قصائد المتنبي الرائعة ومدائحه الممتازة في سيف الدولة الحمداني كانت سجلاً لانتصارات بطل عربي مغوار هو سيف الدولة الحمداني لقد صنع سيف الدولة الحمداني سجلاً رائعاً وفريداً جعله بحق اشهر قائد وزعيم عربي على مر التاريخ حيث جعل منه بطلاً من طراز رفيع. سادساً: وغادر ابو الطيب اطار احلامه ومنزع رغبته غادر (حلب) وزعيمها الباسل راعيه سيف الدولة غادر الشام نحو مصر موجع القلب باكياً لقد اصبحت المسافة واسعة بين زعيم العروبة آنذاك سيف الدولة وبين ابي الطيب وفي مصر يمم وجهه نحو بلاد ( كافور) الذي اصبح زعيماً لمصر بعد ما سحب الحكم الطفل الاخشيدي.. كافور ذلك المعلم الذي وصل إلى السلطة بذكائه ودهائه واريحيته لقد صار بعدما غضب على المتنبي امام الآبقين بها الفحر مستعبدا والعبد معبودا. لقد احس شاعر العروبة الاكبر بالفارق الهائل بين بلاد الحمدانيين بحلب وبين بلاط كافور.. بالقاهرة وعز عليه ان يمدح خصياً وان ييمم بآماله وشوه عبدا اسود بعد ما كان تحت انظار ملك عربي حر ولذا كانت مدائح المتنبي في كافور الاخشيدي اشبه بالهجاء بل بالضحك والسخرية السوداء لذا نجد مدائح المتنبي لغير سيف الدولة الحمداني لعباً بالافكار وبالصفات وكأنه يخاطب دمى بلهاء وهذا ما فطن له الناقد الاسباني الكبير (اميليو غارسيا غوميز) عبر هذا التقرير الرائع الذي يقول فيه: (واخيراً يجب ان لا ننسى التوتر العنيف والثورة الداخلية التي كان المتنبي يعاني منها، حين يستسلم للمديح، ان قصائده في مدح سيف الدولة وحده يمكن ان يقال عنها انها وليدة مشاعر حقة، وقالها صادق الاحساس لقد رأى دون ما شك في حلب الوسيم الشجاع كل ما تمنى هو نفسه ان يكون، زعيم عربي، يقيم دولة على تخوم الصحراء، وفي صراع مستمر مع البيزنطيين يجمع في بلاطه آخر بلاط اسلامي متوهج على مستوى بغداد في اجمل ايامها، نخبة من صفوة الادباء الممتازين، اما قبله فقد احتقر المتنبي كل رخيص يزعم لنفسه رعاية الاداب والفنون، كان يرى في اي واحد منهم مجرد سلم يصعد عليه إلى الدرجة التالية فلما استوى على قمة مجده ازداد لهم احتقاراً سواء في مصر او في فارس كان الحنين يحثه والطموح يدفعه، واهداف محددة تقوده فإذا اخفق دونها هرب وتجاوز المدائح السابقة ذات الهجاء اللاذع الملتهب ولكنه كان يملك من عظمة الروح قدراً كافياً يجعله يحتفظ دائماً بكبريائه كمدائحه في فاتك صديقه وراعيه وقد توفي في مصر دون ان يحقق كل أمانيه او عندما كان يظهر مشاعره وافكاره الشخصية دون اي امل في عطاء او جزاء، لم يخرج المتنبي سليماً معافى من تجربة المديح المرعبة بل خرج منها منتصراً وكان المنتصر هو كبرياء الشاعر فيه). سابعاً: لقد كان ابو الطيب المتنبي عالي الصوت لدى شعراء الاندلس وملوكها العلماء والشعراء فلقد اعترض المتوكل بن الافطس (زعيم مملكة بطليوس في عصر ملوك الطوائف بالاندلس على شعراء بلاطه فلقد كان اعجابه كبيراً بشاعر الكوفة ابي الطيب المتنبي وكان يطلب من شعرائه ان يكونوا له مثل المتنبي لسيف الدولة الحمداني مما كان يدفع بالوزير الشاعر (ابن عبدون) إلى السخرية من طلب ابن الافطس ويقول سنكون: اذا تشابهت الرؤوس والمناكب؟ يشير إلى بربرية ابن الافطس. كما كان يطلق على ابن دراج الفسطلي متنبي الاندلس مع ان ابن دراج شاعر مديح من طراز فريد الا انه ايضاً شاعر وجداني رفيع المستوى. كما كان ملك اشبيلية (المعتمد بن عباد) الشاعر العملاق يعجب بشعر المتنبي وكان يعرض بعض ابياته للنقد التحليلي المنهجي. لقد هبت رياح ابي الطيب المتنبي الشعري على شعراء الاندلس حتى رأينا الشاعر ابن هانئ الاندلسي يلقب بمتنبي المغرب؟ واذا كان شعراء الاندلس وملوكها العلماء والشعراء معجبين بابي الطيب المتنبي فكذلك نجد النقاد الاندلسيين كابن بسام والفتح بن خاقان وابن سعيد المغربي وابن الابار القضاعي يشيرون إلى المتنبي باحترام ولنا ان نستشهد على المنزلة الرفيعة التي كانت للمتنبي بالاندلس نأخذ رأي الشاعر الناقد ابو عمار بن شهيد في المتنبي عبر كتابه النقدي المذهل ( التوابع والزوابع) حيث يقول: ( .. فقال لي زهير: ومن تريد بعد؟ قلت له خاتمة القوم صاحب ابي الطيب، فقال: اشدد له حيازيمك وعطر له نسيمك وانثر عليه نجومك، وآمال عنان الادهم إلى طريق فجعل يركض بنا وزهير يتأمل اثار فرس لمحناها هناك فقلت له، ما تتبعك لهذه الاثار؟ قال هي اثار فرس حارثة بن المغلس صاحب ابي الطيب وهو صاحب قنص، فلم يزل يتقراها حتى دفعنا إلى فارس على فرس بيضاء.. وبيده قناة اسندها إلى عنقه وعلى رأسه عمامة حمراء قد ارخى لها عذبة صفراء فحياه زهير فاحسن الرد ناظراً من مقلة شوساء، قد ملئت تيهاً وعجباً فعرفه زهير قصدي والقى اليه رغبتي فقال: بلغني انه يتناول قلت: للضرورة الدافعة والا فالقريحة غير صادقة والشفرة غير قاطعة). واخيرا نلتقي مع ابي الطيب المتنبي مع هذا النص الجميل الذي اشم منه حقاً ابداع المتنبي وقرارة وجدانه مع هذا النص المتوتر العاطفة والموسيقي المعنى والمبنى ..
أبو فراس الحمداني - 93-968
أبو فراس الحمداني (932-968) : هو الحارث بن سعيد الحمداني. شاعر وفارس وأمير عربي. ولد في الموصل (العراق) ومات قرب حمص (سوريا). قتل أبوه 935 فرباه ابن عمه وزوج أخته، سيف الدولة الحمداني، أمير حلب. نشأ على الفروسية والأدب، وتنقل في مدن الجزيرة والشام. قلده سيف الدولة إمارة منبج وحران وأعمالهما، وكان حينئذ في السادسة عشرة من عمره. اصطحبه سيف الدولة في غزواته ضد البيزنطيين، فوقع في الأسر عام 962. أمضى في الأسر أربع سنوات كتب خلالها أشهر قصائده التي عرفت "الروميات". ولاه سيف الدولة على حمص، ولما مات سيف الدولة وقعت الحرب بين ابنه أبي المعالي وأبي فراس، فقتل قرب حمص. له ديوان من الشعر الجيد، العذب الأنغام، المألوف الألفاظ، الذي يسجل تاريخ حياته ويصور فروسيته ويفخر بمآثره. تنافس مع المتنبي في مدح سيف الدولة خلال إقامته في بلاطه في حلب.
أبو فراس الحمداني) شاعراً وجدانياً من الطراز الاول. وللمقارنة بين الشاعرين العملاقين (أبو الطيب المتنبي) و(ابوبكر محمد بن عمار) وكلاهما كان مغامراً من الطراز الأول وكلاهما يطمع في امارة او ولاية وكلاهما كانا ذاتيان في شعرهما وكلاهما فقد ذاته قتيلاً فابن عمار فقد راسه بيد زعيمه وراعيه ملك اشبيليه المعتمد بن عباد وفقد المتنبي رأسه على يد فاتك الاسدي بثار على حقد دفين وهجاء مفجع؟ وكلاهما كان معتداً بنفسه اشد الاعتداد مما دفع بالناقد الاسباني الاستاذ الدكتور ( اميليو غارسيا غوميز) إلى القول عن ابي الطيب المتنبي حيث يقول: ( .. من الصعب ان نجد في الأدب العالمي كله شاعراً اشد اعتزازاً بفنه من المتنبي وحتى لو نحينا الفخر جانباً وهو عادة عربية تنحدر من اصول بدوية وقد لا يستسيغها ذوقنا الغربي فسوف نلتقي بشاعر الكوفة على الدوام محلقاً في السماء ملتهب الكبرياء نبوي الفطرة احياناً مما يبرر اطلاق اسم ( المتنبي) عليه.. لقد تنبأ ابو الطيب بالامتداد الجغرافي غير المحدود لشهرته، انها ستضرب في الخافقين: وتعللني فيك القوفي وهمتي كأني بمدح قبل مدحك مذنب ولكنه طال الطريق ولم ازل افتش عن هذا الكلام وينهب فشرَّق حتى ليس للشرق شرق وغرَّب حتى ليس للغرب مغرب اذا قلته لم يمتنع من وصوله جدار مقلى او خباء مطنب(3) وعلى هذا النحو من الوضوح والاعتداد يصرح بل حتى يقول ويؤكد بأن شعره يجب ان يكسف كل شعر عربي سبقه: لا تجسر الفصحاء تنشدها هنا بيتاً ولكني الهزبر الباسل ما نال اهل الجاهلية كلهم شعري ولا سرحت بسحري بابل رابعاً: ويستقر ( ابو الطيب المتنبي) اخيراً في بلاد سيف الدولة الحمداني صاحب (حلب) فيجد قبله كوكبة عظيمة من الشعراء والكتاب والنقاد والفلاسفة والعلماء كماي جد في زعيم (حلب) وجهاً عربياً ذكياً باسلاً يحارب اعداء الاسلام والعروبة من الصليبيين .. وهنا يجب السير على الطريق بحذر فالاشواك كثيرة فالملك عربي الوجه واليد واللسان وديوانه الشعر يعج بالشعراء، ومنهم قائد حملات سيف الدولة على دولة بيزنطة الشاعر الرومانسي الموهوب ابو فراس الحمداني ولكن المتنبي بحر زاخر من الشعر وذو ملكة وموهبة شعرية تهز بمديحها المشاعر هزاً.. وهذا ما دفع بأبي الطيب المتنبي إلى القول في زهو ظاهر وقد كان ذلك يوم عيد الاضحى من العام 342 هـ الموافق لابريل من العام 954م وبين يدي سيف الدولة الحمداني زعيم العروبة بحلب وذلك عندما اعلن اعتداده بشعره فقال: وما الدهر الا من رواة قلائدي اذا قلت شعراً اصبح الدهر منشداً فسار به من لا يسير مشمراً وغنى به من لا يغني مغرداً اجزني اذا انشدت شعراً فإنما بشعري اتاك المادحون مردداً ودع كل صوت غير صوتي فإنني أنا الصائح المحكي والآخر الصدى وعلى هذا النحو من الاعتداد بالنفس وبالموهبة الشعرية التي منحها الله تعالى له نراه يخاطب القلوب والاسماع وامام سيف الدولة الحمداني ذاته وذلك من خلال هجوم عنيف شنه على خصومه من الشعراء وعلى الدساسين الذين يتحركون في بلاد سيف الدولة يقول: يا أعدل الناس الا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكم اعيذها نظرات منك صادقة ان تحسب الشحم في من شحمه ورم وما انتفاع اخي الدنيا بناظره اذا استوت عنده الانوار والظلم انا الذي نظر الاعمى إلى ادبي واسمعت كلماتي من به صمم انام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم (5) ويعقب الاستاذ الدكتور ( اميليو غارسيا غوميز) المستشرق الاسباني الشهير على أبيات المتنبي السابقة بقوله: (كيف نفسر هذا التعالي المفرط في الكبرياء من شاعر أجير تحكمه قوانين العرض والطلب والبيع والشراء وأشد الوان الخضوع خجلاً..). وردنا على العلامة الناقد والاديب ( غوميز) يسير وبدهي حيث اغفل هذا الناقد الفحل ذات الشاعر اغفالاً تاماً فما كان ابو الطيب شاعر استجداء فقط بل كان شاعر مجد معنوي اشقاه ايما شقاء..!! وذلك واضح من سيرة وحياة شاعر الكوفة ابي الطيب المتنبي.
وتكثر الدسائس والوشايات ضد ابي الطيب في بلاط سيف الدولة ويدخل في مضمار الخصومة اعلام للنقد والادب والشعر وعلى رأسهم دونما ريب الناقد الفيلسوف الكندي الذي اشمأز من تعالي المتنبي ولعل اخطر خصوم ابي الطيب بعد صلفه وكبريائه القائد والشاعر ( ابو فراس الحمداني الذي تملكه الغضب من تدليل سيف الدولة له وكأن المتنبي عرض بأبي فراس مما اغضب عليه زعمي حلب غضباً عظيماً جعله يضربه على وجهه بالدواة مع ان سيف الدولة الحمداني كان يقدر لابي الطيب مدائحه فيه والتي اشتملت على ثلث ديوان ابي الطيب الضخم ولقد احب المتنبي سيف الدولة الحمداني حباً عظيماً بحيث كان يرى فيه المنقذ للعروبة والاسلام ولذا نجد في قصائد المتنبي الرائعة ومدائحه الممتازة في سيف الدولة الحمداني كانت سجلاً لانتصارات بطل عربي مغوار هو سيف الدولة الحمداني لقد صنع سيف الدولة الحمداني سجلاً رائعاً وفريداً جعله بحق اشهر قائد وزعيم عربي على مر التاريخ حيث جعل منه بطلاً من طراز رفيع. سادساً: وغادر ابو الطيب اطار احلامه ومنزع رغبته غادر (حلب) وزعيمها الباسل راعيه سيف الدولة غادر الشام نحو مصر موجع القلب باكياً لقد اصبحت المسافة واسعة بين زعيم العروبة آنذاك سيف الدولة وبين ابي الطيب وفي مصر يمم وجهه نحو بلاد ( كافور) الذي اصبح زعيماً لمصر بعد ما سحب الحكم الطفل الاخشيدي.. كافور ذلك المعلم الذي وصل إلى السلطة بذكائه ودهائه واريحيته لقد صار بعدما غضب على المتنبي امام الآبقين بها الفحر مستعبدا والعبد معبودا. لقد احس شاعر العروبة الاكبر بالفارق الهائل بين بلاد الحمدانيين بحلب وبين بلاط كافور.. بالقاهرة وعز عليه ان يمدح خصياً وان ييمم بآماله وشوه عبدا اسود بعد ما كان تحت انظار ملك عربي حر ولذا كانت مدائح المتنبي في كافور الاخشيدي اشبه بالهجاء بل بالضحك والسخرية السوداء لذا نجد مدائح المتنبي لغير سيف الدولة الحمداني لعباً بالافكار وبالصفات وكأنه يخاطب دمى بلهاء وهذا ما فطن له الناقد الاسباني الكبير (اميليو غارسيا غوميز) عبر هذا التقرير الرائع الذي يقول فيه: (واخيراً يجب ان لا ننسى التوتر العنيف والثورة الداخلية التي كان المتنبي يعاني منها، حين يستسلم للمديح، ان قصائده في مدح سيف الدولة وحده يمكن ان يقال عنها انها وليدة مشاعر حقة، وقالها صادق الاحساس لقد رأى دون ما شك في حلب الوسيم الشجاع كل ما تمنى هو نفسه ان يكون، زعيم عربي، يقيم دولة على تخوم الصحراء، وفي صراع مستمر مع البيزنطيين يجمع في بلاطه آخر بلاط اسلامي متوهج على مستوى بغداد في اجمل ايامها، نخبة من صفوة الادباء الممتازين، اما قبله فقد احتقر المتنبي كل رخيص يزعم لنفسه رعاية الاداب والفنون، كان يرى في اي واحد منهم مجرد سلم يصعد عليه إلى الدرجة التالية فلما استوى على قمة مجده ازداد لهم احتقاراً سواء في مصر او في فارس كان الحنين يحثه والطموح يدفعه، واهداف محددة تقوده فإذا اخفق دونها هرب وتجاوز المدائح السابقة ذات الهجاء اللاذع الملتهب ولكنه كان يملك من عظمة الروح قدراً كافياً يجعله يحتفظ دائماً بكبريائه كمدائحه في فاتك صديقه وراعيه وقد توفي في مصر دون ان يحقق كل أمانيه او عندما كان يظهر مشاعره وافكاره الشخصية دون اي امل في عطاء او جزاء، لم يخرج المتنبي سليماً معافى من تجربة المديح المرعبة بل خرج منها منتصراً وكان المنتصر هو كبرياء الشاعر فيه). سابعاً: لقد كان ابو الطيب المتنبي عالي الصوت لدى شعراء الاندلس وملوكها العلماء والشعراء فلقد اعترض المتوكل بن الافطس (زعيم مملكة بطليوس في عصر ملوك الطوائف بالاندلس على شعراء بلاطه فلقد كان اعجابه كبيراً بشاعر الكوفة ابي الطيب المتنبي وكان يطلب من شعرائه ان يكونوا له مثل المتنبي لسيف الدولة الحمداني مما كان يدفع بالوزير الشاعر (ابن عبدون) إلى السخرية من طلب ابن الافطس ويقول سنكون: اذا تشابهت الرؤوس والمناكب؟ يشير إلى بربرية ابن الافطس. كما كان يطلق على ابن دراج الفسطلي متنبي الاندلس مع ان ابن دراج شاعر مديح من طراز فريد الا انه ايضاً شاعر وجداني رفيع المستوى. كما كان ملك اشبيلية (المعتمد بن عباد) الشاعر العملاق يعجب بشعر المتنبي وكان يعرض بعض ابياته للنقد التحليلي المنهجي. لقد هبت رياح ابي الطيب المتنبي الشعري على شعراء الاندلس حتى رأينا الشاعر ابن هانئ الاندلسي يلقب بمتنبي المغرب؟ واذا كان شعراء الاندلس وملوكها العلماء والشعراء معجبين بابي الطيب المتنبي فكذلك نجد النقاد الاندلسيين كابن بسام والفتح بن خاقان وابن سعيد المغربي وابن الابار القضاعي يشيرون إلى المتنبي باحترام ولنا ان نستشهد على المنزلة الرفيعة التي كانت للمتنبي بالاندلس نأخذ رأي الشاعر الناقد ابو عمار بن شهيد في المتنبي عبر كتابه النقدي المذهل ( التوابع والزوابع) حيث يقول: ( .. فقال لي زهير: ومن تريد بعد؟ قلت له خاتمة القوم صاحب ابي الطيب، فقال: اشدد له حيازيمك وعطر له نسيمك وانثر عليه نجومك، وآمال عنان الادهم إلى طريق فجعل يركض بنا وزهير يتأمل اثار فرس لمحناها هناك فقلت له، ما تتبعك لهذه الاثار؟ قال هي اثار فرس حارثة بن المغلس صاحب ابي الطيب وهو صاحب قنص، فلم يزل يتقراها حتى دفعنا إلى فارس على فرس بيضاء.. وبيده قناة اسندها إلى عنقه وعلى رأسه عمامة حمراء قد ارخى لها عذبة صفراء فحياه زهير فاحسن الرد ناظراً من مقلة شوساء، قد ملئت تيهاً وعجباً فعرفه زهير قصدي والقى اليه رغبتي فقال: بلغني انه يتناول قلت: للضرورة الدافعة والا فالقريحة غير صادقة والشفرة غير قاطعة). واخيرا نلتقي مع ابي الطيب المتنبي مع هذا النص الجميل الذي اشم منه حقاً ابداع المتنبي وقرارة وجدانه مع هذا النص المتوتر العاطفة والموسيقي المعنى والمبنى ..